وفاة ابن طرابلس البار سمير برغشون

 


شلح أرز جديد يهوي في بلاد الكنغر، إنه إبن مدينة الفيحاء البار سمير برغشون.

منذ اليوم الأول الذي التقيته به، دخل الى قلبي ولم يخرج منه حتى بعد وفاته. في القلب سيبقى، وفي الفكر سيبقى، ليس لأنه جار بلدتي مجدليا، بل لأنه صاحب اليد اليمنى التي تعطي دون أن تدري اليسرى.

في منتصف سبعينيات القرن الماضي، دعاني لإلقاء قصيدة في منزله الكائن، يومذاك، في منطقة "شسترهيل"، دعماً لمعاقي مدينة طرابلس، الذين رمتهم الحرب الاهلية اللعينة في غياهب البغض.

ما أن دخلت البيت حتى استقبلني كعادته بابتسامة مشرقة، أصبحت مع الوقت كالعلامة الفارقة، وأخذني الى حديقة المنزل الخلفية، فوجدتها تعج بمئات المدعوين، وبعد أن رحب بي، همس في أذني:

ـ أريد منك قصيدة تهز القلوب والجيوب، فالمعاقين بحاجة ماسة للمساعدة، فألقيت هذه القصيدة الخالدة عن طرابلس، ونشرتها في ديوان "كان يا ما كان":

ـ1ـ

يَا طْرَابْلُسْ.. جَايِي تَا غَنِّيلِكْ

وِحْكَايِة الْـ بِالْقَلْب إِحْكِيلِكْ

وْعَنْ أَهْلِك الْـ كِلُّنْ لَطَافِه وْذَوْقْ

فِشّ قَلْبِي شْوَيّ.. إِشْكِيلِكْ

صَارُوا بْفَضْلُنْ طَامْرِينِي لْفَوْقْ

وْكِيفْ بَدِّي رَجِّع جْمِيلِكْ؟!

ـ2ـ

يَا طْرَابْلُسْ.. صَرْلِي سْنِين سْنِينْ

نَاطِرْ تَا إِرْجَعْ بَوِّس تْرَابِكْ

وْكَحِّل عْيُونِي بْمَنْظَر بْسَاتِينْ

مْطَرّزِه بِزْهُورْهَا تْيَابِكْ

وْسَاحَات مِتْلا ما انْوَجَدْ.. تِخْمِينْ

التَّل نَجْمِه مَدْخَلاَ بَابِكْ

يَا مْدِينة الْـ ما بْيِنْحِنِيلاَ جْبِينْ

دَاخ الدَّهْر مِنْ قُوِّة شْبَابِكْ

بْحَلّفِكْ حِنِّي عَ مُغْتِرْبِينْ

عِتْق الْجُرح بِقْلُوبُنْ وْصَارِتْ

تِنْزِل دُمُوعُنْ دَمّ عَ غْيَابِكْ!

ـ3ـ

إِبْنِكْ أَنَا.. وْرِضْعَانْ مِنْ صَدْرِكْ

لا تْصَدّقِي.. مَهْمَا انْحَكَى أَوْ صَارْ

مْنِ الْقَلْب صَعْبِه يِنْمَحَى ذِكْرِكْ

مَهْمَا لِعِبْ فِينَا غَريب الدَّارْ

وْلَوْلا بْيِنْقَصْ يَوْم مِنْ عُمْرِكْ

فَوْق عُمْرِك رَح بْزِيد عْمَارْ

يَا مْدِينة الْـ مَا بْتِفِرْقِي دَيْرِكْ

عَنْ جَامْعِكْ.. نِحْنَا اشْتَقْنَا كْتِيرْ

وْبَعْدُو الْوَطَنْ لُبْنَان فَوْق النَّارْ!

ـ4ـ

يَا حَبِيبِةْ قَلْب شَاعِرْ مِسْتِحِي

يْقِلِّكْ قَصِيدِةْ شِعِرْ فَجَّرْهَا الْوَحِي

إِنْتِي الْقَصَايِدْ كِلّهَا.. إِنْتِي الْبُيُوتْ

وْشَمْس الْحَضَارَه بْطَلّتِكْ بِتْسَوْسِحِي

يَا مْدِينْةِ الأَحْبَابْ حَاجِتْنَا سُكُوتْ

بْحُزْنِكْ.. يَا فَيْحَا.. قْلُوبْنَا عَمْ تِجْرَحِي

لازِمْ عَدُوِّكْ يِنْتِهِي بْعَتْم التَّابُوتْ

وْيِرْجَعْ حَبِيبِكْ يِنْعَم بْحُضْن الْهَنَا

وْقِدَّامْ عَيْنُو كِل خَايِنْ تِدْبَحِي.

ـ5ـ

الْكِلْمِه الأَخِيرَه بْقُولْهَا: تْبَرَّعْ

مِينْ قَدّ حَاتِـمْ طَيّ خَلّدْتُو السّنِينْ؟!

وْلَوْ مَا قْلُوب بْهَالدِّنِي تُوجَعْ

أَصْحَابْهَا لِلْخَيْر خِلْقَانِينْ

مَا كَانْ فِينَا نْقَاوِم الْمَدْفَعْ

وْلا كَانْ فِينَا نْحَارِب شْيَاطِينْ

وْلا كانْ فِينَا لأَرضْنَا نِرْجَعْ

وْلا كانْ فِينَا نْبَلْسِم جْرُوحَاتْ

إِخْوِه.. الْبُغِضْ صَيَّرْهُن.. مْعَاقِينْ!

وفي عام 1978 دعاني إلى حفلة أخرى من أجل جمع التبرعات لحبيبة قلبه طرابلس، فقلت:

ـ1ـ

إِنْتِي الْحُلم.. يا مْدِينْة الْفَيْحَاءْ

وْإِنْتِي أَمَلْنَا عِنْدْ غَدْرَات الزَّمَنْ

قِدَّامْ إِسْمِكْ رَكْعِت الأَسْمَاءْ

وْزِدْتِي بْتَارِيخِكْ فَوْقْ أَمْجَاد الْوَطَنْ

ـ2ـ

إِسْلامْ وِنْصَارَى.. مَا عِنْدِكْ فَرْقْ

رَبّ وَاحِدْ.. رَبّْ كلّ النَّاسْ

الْـ مَا يَوْمْ مَيَّزْ بَيْنْ عِرْق وْعِرْقْ

وْلا مْنِ الْبَشَرْ فَضَّل جْنَاسْ جْنَاسْ

نِحْنَا شَعبْ وَاحِدْ بِأَرْض الشَّرْقْ

عِشْنَا الْعُمرْ نِشْرَبْ سَوَا بِالْكَاسْ

وِالْمَادْنِه تِنْدَه جَرَسْنَا.. يْدِقّْ

تَا نْأَدِّنْ الإِنْجِيل بِالْجَامِعْ

وِنْرَتِّلْ الْقُرْآنْ بِالْقِدَّاسْ

ـ3ـ

لَمَّا انْسَلَخْنَا عَنْ وَطَنَّا الْمُفْتَخَرْ

نِزْلِتْ دُمُوع عْيُونْنَا مِتْل الْمَطَرْ

وْصِرْنا نْكِدّ وْنِشْتِغِل لَيْل وْنَهَارْ

وْنِجْمَعْ بِغِرْبِتْنَا اللآلِي وِالدُّرَرْ

وْنِحْلَمْ بِأَجْمَلْ أُمّْ رَبِّتْنَا زْغَارْ

طال انْتِظَارَا.. وْبَيَّن عْلَيْهَا الْكبَرْ

وْنِحْلَمْ بِحضْن الْوَالِد الْخِتْيَارْ

وِبْأَرْضْ عَمْ يِلْعَبْ بِتَارِيخَا الْقَدَرْ

يَلْلاَّ سَوَا نِطْرُدْ غَرِيب الدَّارْ

وْنِصْرُخْ بِوِجُّو: مُوتْ يَا غَدَّارْ

نِحْنَا بَشَرْ غِيرْ شكلْ عَنْ كلّ الْبَشَرْ

ـ4ـ

بْحَلّفِكْ بِقْلُوبْ مِحْتِرْقَه

ضَلِّي وَفِيِّه لأَرزْنَا الْجَبَّارْ

عِمْلُوا الأَعَادِي بْقَلبْنَا حَرْقَه

وَقتْ اللِّي زَرْعُوا بِـ وَطَنَّا النَّارْ

وْرَشُّوا عَلَى طُرْقَاتْنَا الْفِرْقَه

وْعِمْيُوا عِينَيْنَا بْكَمِشْتَيْن غْبَارْ

حَلاَّ بَقَى.. نْشُوف السَّمَا زَرْقَا

وْنِخْجَل وْنِمْسَحْ عَنْ شَرَفْنَا الْعَارْ

وِتْصِيرْ فِينَا تِفْرَح الْمَرْقَه

مَهْمَا قِسِي عْلَيْنَا الزَّمَان وْجَارْ..

سمير برغشون ساعدني كثيراً في محاربة الطائفية البغيضة التي أوصلت وطننا الحبيب لبنان الى الهلاك، وأوصلتنا نحن الى الغربة، حيث بتنا ننزوي واحداً تلوى الآخر بقبور أسترالية، وقلوبنا تنبض حباً بتلك الربوع التي انسلخنا عنها.

رحمك الله يا صديقي الوفي سمير، فجنة الخلد بانتظارك، ومن كان مثلك لا يموت.

أخوك شربل بعيني

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق