الحكمة في شعر سايد مخايل
بينما كنت أتصفح ديوان " وعد العمر والشعر" للشاعر سايد مخايل استوقفتني حكمة تقول:
ما في حدا يوقّف قدر محتوم
ن نشّف الزيت وخلّص المشوار "ص 21"
فقررت أن أقرأ بتمعن زائد، علني أحظى بحكم "مخايلية" قد تعبّد لي الطريق لكتابة مقال عن "الحكمة في شعر سايد مخايل"، ولم يخب ظني، بل وجدت حكمة ثانية برّدت لي قلبي كشاعر، وأعطتني الحياة الخالدة:
الشاعر إذا بيموت ما بيغيب "ص 49".
وفي نفس القصيدة، يؤكد حكمته المنشورة سابقاً "ص 21" إذ يصرخ:
بعرف أنا إنو العمر مرقه
وما في حدا فوق الارض باقي "ص51".
وكما ترون، فسايد مخايل يفلسف الموت بطريقة شعرية سهلة، كي لا يخيفنا منه، بل ليقربنا إليه، أغنياء كنا أم فقراء:
وفي ناس عـ كسرة خبز ماتو
وفي ناس من كتر الأكل بتموت "ص 55"
وضمن رحلة الموت التي ما زلنا نعيشها في حكمه، نجده يكرّم المرأة، ويعترف أننا سنطير من هذه الدنيا، أي سنندثر، لولا الأمومة:
كليتنا من هون رح منطير
وأعمارنا أرقام عَـ الجدول
وتصورو بهالكون شو بيصير
لو ما المرأة الأم فيها تعيد
ب سر الولادة الكون للأول "ص 63".
ولولا معرفتي الشخصية بسايد، لقلت أن سحابة من اليأس تمطر فوق صفحات ديوانه، وأن الحزن يجره على دروب الشعر:
وبالآخر منرجع عـ نفس الباخره
يللي في إلها فرد مهرب للحياة
ودرب أللـه بالسعاده زاخره
لفاعلين الخير عالأربع جهات "ص 95".
الباخرة هي الموت، الذي لا مهرب منه إلا عن طريق فعل الخير، ففاعلو الخير هم الوحيدون الذين سيركبون مركب النجاة عند غرق الباخرة، وهم الوحيدون الذين سينعمون بالسعادة الأبدية.
ومن فلسفة الموت ينقلنا سايد الى فلسفة لاهوتية عرفت عند المسيحيين بكرسي الاعتراف، فمن يدخلها عليه أن يقول الحقيقة، وإلا ستحجب عنه الحلة ولو منحها له الكاهن:
ومهما الحقيقه تحمل خطايا
لما نقولا بتاخد الحله "ص 128".
وعن الأصالة الأدبية يعطينا حكمة ولا أروع، خاصة وقد كثرت التبجحات، وتتطايرت "الأنا" كسهام الحروب القديمة، فنراه يرفع صوته قائلاً:
ل منّو أصيل.. بيوقع بنص الطريق
ولفوق ما بيوصال غير العبقري "ص 162"
وفي مقطع شعري خصني به مشكوراً، يقول في مطلعه:
شربل وهج بالجاليه وشيخ الشباب
شربل بيكمش حرف بيصفّي دهب "ص163"
ومن المديح ينتقل بسرعة البرق الى الثورة على جميع الشويعريين الذين يسرقون من هنا وهناك كي ينالوا شهرة كاذبة سرعان ما تتلاشى:
ومش كل واحد كل ما كلمه كتب
صفّى كبير وصار نعملو حساب
ومش كل شاعر شعر من غيرو نهب
صفّى لدنيا الشعر عندو انتساب ص 163"
إلى أن يقول في آخر القصيدة:
كل البشر كتّاب صارو بهالدني
وضربو الكتاب.. وشوّهو دور القلم "ص 164".
هذا هو سايد مخايل الشاعر الحكيم الذي عجنته الأيام وخبزته، يهدينا خبرته الحياتية على طبق من ذهب، فإما أن نتعظ وإما أن نبقى غارقين بأوهام الادعاءات الفارغة، التي بدأت تثقل كاهل أدبنا ليس في الاغتراب فحسب بل في كافة الدول.
شربل بعيني
0 comments:
إرسال تعليق