الشعر هو الوفاء يا أخي روميو عويس
أحب أحد الأصدقاء أن يسمعني عبر "الواتس أب" شيئاً من كلمات حفل توقيع كتاب "وين الخطيّه؟" للشاعر روميو عويس في لبنان.. فأصبت بصدمة قوية عندما سمعت أحدهم "نسيت اسمه" يهاجم الكتاب في حفل توقيعه، أي في ليلة بيعه للجمهور، أو بالاحرى الترويج له عبر كلمات المشاركين.. فأحب هذا المتكلم أن يكسر مزراب العين بغية الشهرة ليس إلا، ضارباً عرض الحائط بأصول المشاركة، التي تفرض عليه تسليط الضوء على العبارات الجميلة ليس إلا، والابتعاد عن التجريح كي لا يبتعد الجمهور عن تشجيع الشاعر واقتناء كتابه.
من أتى به الى الندوة؟ من سمح له بالكلام؟ لست أدري.. كل ما أدريه أنني حفظت شيئاً مما قال، ويا ليته لم يقله: في الكتاب الكثير من الوفاء والقليل من الشعر.
أف.. أف.. أف.. كيف تدنى المستوى الأدبي عند البعض الى درجة الخطر، فالعديد من المتفلسفين إن وجدوا في الكتاب قصائد مناسبات يبدأون بالنقد والتهجم على الشاعر، ويتناسون أن أعظم الشعراء العرب "أبي الطيب المتنبي" خلدته قصائد مناسباته، وخاصة عندما يقول:
إذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
صحيح أن في كتاب روميو الجديد الكثير من قصائد المناسبات، أو قصائد الوفاء، كما أسماها ناقدنا، ولكنها ملآنة بالصور الشعرية التي لا يأتي بمثلها إلا الشاعر الشاعر.
لنأخد مثلاً هذا البيت من قصيدة أهداها للشهيد البطل أبو واكيم:
وبعدو اللي صابك برصاص الغدر
بترجفّو عينيك بالصوره
لنعلم كيف يأخذ روميو بالثأر من قاتل "أبو واكيم" عن طريق عينيّ "أبو واكيم" ذاته. أي أنه لم يلجأ الى البندقية لأخذ الثأر بل إلى الصورة الشعرية الناطقة بصدق.
أما في حفل "يوبيلي الذهبي" فقد أبدع روميو في قصيدته، التي قال فيها:
يا شربل.. بنات الشعر جننت
تلال القصايد ملعب حجالك
وأنت؟ ما بتقول مينك انت
ولا بتسجد مقابيل تمثالك
فمن غير "الشاعر الوفي" بإمكانه أن يحوّل القصائد الى تلال، ويحول التلال الى ملعب للحجال.
وعندما علم بوفاة صديقه الشاعر "ألبير حرب" أنظروا كيف رثاه، واخبروني إذا نطق "روميو" شعراً أم لا:
مش انت قلت: لدعستو من حبر
عا العمر ما بيموت
ولو سكّرو التابوت
وسدّو بواب القبر؟
انت باقي عمار بعد العمر
ودعستك بالحبر تخلق شعر
شعرك.. عا لوحات الدهب منحوت
يا الكنت انت الفخر
وبيرق شموخ ونصر
ع القبر ما بتفوت
وكي أبهركم أكثر بشعر الوفاء، انظروا كيف رثى سعيد عقل:
باقي عقل.. بقصايدو مخلّد
قصايدو أكبر من مجلّد
مليون شاعر بالدني يولد
لا بيقدر يجيه الوحي ذاتو
ولا الفلسفه تخلق بكلماتو
ولا يعيّش الكلمه بنبراتو
ولا تنوّر الدهشه.. بلمعاتو
فإذا كان المتنبي قد هاجم من هاجمه في البيت الشعري المنشور أعلاه، تعالوا نقرأ كيف هاجم روميو من تهجم عليه:
ستي قالتلي: ان نبّحت الكلاب
رميلا عضم يابس.. بتتسلى
هناك الكثير الكثير من الشعر المدهش النادر في مناسبات روميو عويس، ولكنني سأكتفي بهذا القدر كي أترك لكم جمال البحث عن اللآلىء عندما يوقع كتابه "وين الخطيه؟" في سيدني بإذن الله.
أخيراً، أقول، وبالفم الملآن، الشاعر إن لم يكن وفياً لأصدقائه، ستنقصه نعمة الابداع، لأن الشعر هو الوفاء بحد ذاته.
شربل بعيني
0 comments:
إرسال تعليق