صدر عن مؤسسة المثقف العربي في سيدني ـ أستراليا، كتاب جديد للشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي بعنوان "حديقة من زهور الكلمات".
وبعد مطالعتي للكتاب، وجدت أن السماوي قد ابى أن يسمي "زهور كلماته" أشعاراً، بل أشار اليها على غلاف الكتاب بعبارة "نصوص نثرية" كي يبعد عنها كل الشبهات، أو ليعطي درساً قاسياً لأولئك الذي يكتبون "النثر" ويطلقون عليه بدون أي خجل لقب "الشعر". وشتان ما بين الثريا والثرى.
إذا كانت "حديقة" السماوي ليست شعراً منثوراً، فيجب أن نلغي مسمى الشعر النثري الحديث، لأن كل عبارة وردت في النصوص شعرية، وتحتوي على صور خلابة:
فأنا يكفيني من كل الدنيا
خدرك،
وكأس من زفيرك،
وطبق من خبز تنورك،
مع لحاف من دفئك،
يستر عورة شتاءات جسدي.
وكما عودنا السماوي، فجرأته الكتابية تجعلك تشهق وانت تقرأ:
رجولتي أعلنت الإمساك عن المائدة
حتى تفطر بخبز أنوثتها.
وككل شاعر نراه مشاكساً في الحب:
ما دمنا قد أوقدنا نار الخصام
فليسترجع كل منا ما أعطى للآخر
لتعد شفتاك الى شفتي
آلاف القبلات
وليسترجع صدرك دفئه من صدري!
إلى أن يستنجد بها:
هاتني شفتيكِ
فأنا أريد
أن أنحت لك تمثالا من القبلات.
هذا شعر يا أخي "يحيى"، وليس "نثراً"، فتسمية ما أبدعت "بنصوص نثرية" لن تغيّر شيئاً عند القارىء، فكل رعشة إعجاب يعيشها ستجعله يهتف: هذا شعر.
وأذكر مرة في إحدى الأمسيات التي شاركت بها مع السماوي، وأجبرت على الاستماع الى عشرات الشعراء الذين لم أفهم منهم شيئاً، الى أن اعتلى الكبير "يحيى" المنبر، فهتفت:
أسمع شعرك أتعلم
أسمع غيرك أتألّم
وهذا يحصل معي وأنا أقرأ أيضاً، فالنص الذي لا يغنيني سأبكي على إضاعة وقتي بقراءته، ونصوص السماوي أغنتني، وعلمتني، وثقفتني، أمد الله بعمره، وألف شكر له على هذا الاهداء الرائع:
"صديقي الشاعر الكبير شربل بعيني
أهديك بتلة نبضي هذه،
آملاً أن تكون جديرة ببستان رضاك يا صديقي الكبير
إبداعاً ومحبة كونية"
فهل يوجد كلام بعد كلام السماوي.. لا والله.
شربل بعيني
0 comments:
إرسال تعليق